الاقتراب باستمرار من جوهر المشكلة
كتاب «التفكير العميق: الاقتراب من جوهر المشكلة» هو السيرة الذاتية لمورين تشاي، التي بدأت موظفة عادية ثم أصبحت الرئيسة التنفيذية العالمية لشانيل. العنوان لا يطابق المحتوى تمامًا؛ فهو ليس كتابًا صارمًا في الإدارة الذاتية، لكنه يتيح لنا فهم كيفية تشغيل علامة أزياء فاخرة وكيف يمكن للقيادة النسائية توظيف خصائصها الفريدة في الابتكار.
تؤكد مورين أن “الفوز في المجالات العالية التنافسية لا يعتمد على كمية المعرفة أو مستوى الاجتهاد، بل على امتلاك العقل العميق، وكل اجتهاد أعمى قبل التفكير العميق مجرد جهد بلا جدوى”. مع ذلك فهي لا تقدم وصفة جاهزة.
على القارئ أن يقتنص الإشارات المبعثرة بين السرد ليتتبع مسيرة المؤلفة ويستخلص طريقته الخاصة في التفكير العميق.
التخلي عن الأحكام المسبقة: الذهن الفارغ شرط أولي. فكلما كان الحكم المسبق ضئيلًا كان أكثر خفاءً وفتكًا. يجب أن نضع حدسنا جانبًا ونخوض التجارب المزعجة وندخل عوالم الآخرين. بغض النظر عن المهنة أو المرحلة، فإن دورة “التعلم وإلغاء التعلم ثم التعلم مجددًا” حتمية.
تفكيك العالم: لا توجد معانٍ مطلقة، والكلمات لا تحمل معنى بذاتها بل من سياقها. في السينما يحكي المخرج والممثلون والفنيون قصة، ويعيد الجمهور تفسيرها بطريقته. في الأدب يبني القارئ معنى النص لحظة القراءة، حتى يكاد “يقتل المؤلف”. في الأعمال ليس الهدف تحليل كل تفصيل للوصول إلى الإجابة الصحيحة أو مقارنة أرقام المبيعات، بل ملاحظة كيف يفسر العملاء الرموز والصور وكيف تؤثر في شعورهم. المهم الإنصات إلى الموظفين والزملاء بدل فرض الرأي. القائد الذي يفرض رؤيته يواجه صمتًا مقاومًا أو اعتراضًا صاخبًا أو تبعية عمياء. الناجحون يفكرون دائمًا من موقع العميل أو الشريك، ويدركون أن رأيهم ليس حقيقة نهائية بل يتغير مع العالم. كما ينصح كوفي، الإدارة بالأوامر أقل فاعلية من الإدارة بالتفويض.
الشغف الحقيقي يجعلك أفضل: كسر القيود ليس عبثًا بل من أجل القيام بما هو أهم وأكثر واقعية. تجاوز الحدود والعودة إلى الذات والسعي إلى النافع هي أرض الحياة الصلبة. في العمل عليك التصويب نحو الهدف لا البحث عن مبررات الفشل. أحيانًا يجب أن تخطو بلا خطة وتتبّع حدسك. عندما تشعر بالحيرة اصعد إلى العربة أولًا.
بناء العلامة يتطلب معرفة العملاء والسوق والمنافسين من الجذور. كي تبيع منتجًا ينبغي أن تعرف أين يُباع وكيف ولمن. بهذه المعرفة تصوغ الرسالة والتغليف بلغة الزبائن بدل العبارات التسويقية الجافة.
تصوير الإعلانات هو عملية تحويل قيمة جوهرية إلى حملة ملموسة. العازف الماهر يلمّ بالنوتة والأداة، لكن اللحظة السحرية هي الارتجال حين يتناغم العازفون ويخلقون عالمًا جديدًا. على المسوق الممتاز أن يكون كذلك: يتعلم القواعد أولًا ثم “يرتجل” مع الجمهور. لو سألت العملاء عمّا يريدون سيعطونك إجابة متوقعة، أما عن رغبتهم الدفينة فربما لا يعرفونها. لذلك يجب أن تكون رسالة المنتج غير متوقعة، آسرة، ومشحونة بالعاطفة. إذا التزمت بالنوتة قد تعزف النغمات الصحيحة، لكن من سيتذكر اللحن الباهت؟ شرارة الإبداع تتطلب الصبر والإصرار والممارسة، لكنها تحتاج أيضًا إلى الاستعداد للمخاطرة. الارتجال يعني التقاط اتجاه المستقبل وإطلاق الصدى الداخلي بصدق. غير أن كثيرًا من القادة العصريين يتوترون من الأساليب غير المألوفة، فيقمعون المخاطرة ويخنقون الابتكار بلا قصد.
ابحث عن زاوية ورؤية وإلهام جديد: نحن المسوقين ماهرون في اللغة المنطقية لأن علينا شرح الاستراتيجيات وتبرير الخيارات ونيل موافقة الإدارة، لكننا نقع في فخ النظرة الأحادية ونتوهم أننا نعرف ما يريد الزبون. يجب أن نتعامل بحذر مع النتائج التي نسعى إليها. صحيح أن تحليل البيانات وبحوث السوق مهمان، لكن إحساسك بالمنتج هو ما يدفعك للاستثمار ويقود إلى نتائج غير متوقعة. عندما نحصر التسويق في إطار عقلاني صارم نخسر الذكاء العاطفي الثمين.
مهارة التفكير العميق أهم من الاجتهاد وحده: الشدائد والقلق معلمان ممتازان يعيداننا إلى ما نهتم به حقًا. عند الحيرة، استعن بالشخص المناسب لتختصر الوقت والدموع. مهما كان دورك صغيرًا يمكنك أن تؤثر. كل ما تتعلمه، حتى التفاصيل الضئيلة، يبني مهارتك وثقتك ويمنحك الحق في اتخاذ خيارات غير تقليدية حين يلزم. حتى المدير القاسي يعطينا درسًا؛ وإن لم يكن عنده ما يُقتدى به في teach in leadership على الأقل يوضح ما الذي لا يجب فعله. إن فتحت عينيك وأعدت تشكيل ما تراه ستكتشف موارد لا حصر لها.
ولكي تنجح مهنيًا وحياتيًا عليك إتقان مهارة الإنصات، ليس في بعض الأوقات بل في كل لحظة مع كل أصحاب المصلحة. تعلّم كيف تشجع الآخرين على إيجاد حلول أذكى منك؛ عندما يملكون قدرًا من الاستقلالية يعملون بجدية أكبر ويطاردون نتائج أفضل.
- عند الإنصات احرص على موازنة السماع والقيادة. الاستغراق في آراء الآخرين قد يجعلك تغفل صوتك الداخلي وتفقد الهدف والقيم. تحتاج القيادة إلى موقف ثابت وقلب صادق. القيادة عمل إنساني شديد التعقيد، والسلطة الحقيقية تعني أن تراعي احتياجات مرؤوسيك ورغباتهم، وفي الوقت نفسه تحدد شروط العمل وأهدافه بلا تردد.
الفعل والوعي: ننطلق من الداخل، ثم نراقب أنفسنا لنعرف كيف نقود العالم الخارجي، ونفهم أخيرًا الترابط بين الفريق والعمل والعالم. الإبداع كثيرًا ما يولد من التناقض، من الجمع بين فكرتين أو تصميمين متضادين لصنع جمال غير متوقع. حين نعانق تناقضاتنا ونعيد فحص معارفنا نفهم أنفسنا أكثر ونبني رأيًا قويًا ونترك أثرًا.
الفضول والمرونة: كل قائد متميّز يحتاج إلى تنمية فضوله ومرونته باستمرار.
تاريخ النشر: 17 سبتمبر 2025 · تاريخ التعديل: 21 نوفمبر 2025