الفردانية والاستهلاك السريع
مع صعود فيسبوك وتويتر برز عصر الأفراد. لم تعد الـBBC أو «نيويورك تايمز» تحتكر نقل الخبر؛ من يقف في موقع الحدث يصبح المراسل. “الربيع العربي” كان أكبر حدث تُحركه الشبكات. ملاله يوسفزاي بدورها أصبحت أصغر حائزة على نوبل للسلام بفضل الشبكات.
وفي الداخل، غير ويبو مسار الأحداث العامة: من فضيحة قو مي مي، إلى حملات شيوي مانتسي لمكافحة الاتجار بالأطفال ثم قضيته الشخصية، إلى هروب وانغ غونغتشيوان مع حبيبته، ومآسي رحلات الطيران، وقضية ويه تزِه شي، وقضية لي يانغ… بوجود ويبو نعرف أكثر؛ دونه لا ندري كيف كانت ستُروى القصص.
هذه هي قوة الفرد. الإعلام الرسمي لم يعد قادرًا على تشكيل الرأي بمفرده، وصار مسار الأحداث يتطور أمام أعين جميع المستخدمين باتجاه أكثر عدلًا.
في 2016 تفجّر عالم صُناع المحتوى والبث المباشر بما فاق خيال أيٍّ منا. أصبحت مخيلتنا عاجزة عن توقع كيفية نشوء شيء ما أو أين سينتهي. تلك هي الثورة التي جاءت بها الإنترنت المحمول: عصر التخصيص وصعود الفردانية الحقيقية. لم يعد عرضٌ فنيٌّ يوحّد الملايين سهل التكرار؛ فكل هواية مهما كانت متخصصة صار لها مجتمعها الصغير. لا تحتاج إلى جمال أسطوري ولا ثروة ولا ثقافة عميقة؛ يكفي أن تكون مختلفًا وسيأتيك جمهورك.
لكن ما هو شخصيّ قابل للذبول سريعًا. فالتفرد بالنسبة للآخرين قد يكون رتابة بالنسبة لك أنت، ومعجبيك يحبون ثباتك لأن ذلك ما يناسب ذائقتهم الآن، ولكن حين تتبدل أذواقهم سيختفون بسرعة.
لوغو زيصي (罗振宇) أدرك الأمر باكرًا، لذلك أراد منذ البداية “استهلاك” اسم بابي جيانغ في حملة واحدة لا تتكرر.
ثقافة التفرد لا تحتاج موارد مادية كبيرة كي تزدهر، أما المنتجات المادية المتفردة فتتطلب قدرة تصنيع تناسبها. في 2013 قدّمت ألمانيا مفهوم “الصناعة 4.0” لرفع مستوى التصنيع. من بريطانيا الثورة الصناعية الأولى مع المحرك البخاري، إلى الولايات المتحدة وثورة خطوط الإنتاج، ثم اليابان مع التصنيع الدقيق والذكاء، إلى ألمانيا اليوم التي تمزج الطلبات الفردية بالإنتاج المعياري. مسار الصناعة يعكس تحولات الاستهلاك: الطلب على التخصيص سيظل سمة القرون القادمة، والتحدي أمام المصانع هو تلبية هذا الطلب مع الحفاظ على الربحية.
تاريخ النشر: 5 يونيو 2016 · تاريخ التعديل: 20 نوفمبر 2025